“ملكة القطن”.. السينما السودانية تتألق في مهرجان فينيسيا السينمائي 2025
شهدت الدورة الـ82 من مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي لحظة استثنائية مع العرض العالمي الأول للفيلم السوداني “ملكة القطن” للمخرجة سوزانا ميرغني، وذلك ضمن مسابقة أسبوع النقاد، حيث استقبل الجمهور الفيلم بتصفيق حار وإعجاب كبير، في مشهد يعكس قوة الحضور السينمائي السوداني على الساحة العالمية.
وقد أرسلت بطلة الفيلم، مهاد مرتضى، مقطع فيديو مؤثر وجّهت فيه شكرها للجمهور ولصناع الفيلم، مؤكدة فخرها بالمشاركة في عمل يروي قصة مستمدة من عمق الواقع السوداني.
قصة الفيلم: صراع الأرض والهوية
يحكي فيلم “ملكة القطن” حكاية “نفيسة”، فتاة سودانية نشأت في قرية تشتهر بزراعة القطن، تحت رعاية جدتها القوية المعروفة باسم “الست”، التي تمثل رمز الحكمة والقيادة في المجتمع المحلي.
منذ طفولتها، كبرت نفيسة على الحكايات البطولية التي ترويها جدتها عن مقاومة المستعمرين البريطانيين، لتتشكل شخصيتها على إرث من الفخر والانتماء.
لكن حياة القرية تنقلب رأساً على عقب مع وصول رجل أعمال شاب من الخارج يحمل معه خطة لتطوير الزراعة عبر إدخال القطن المعدل وراثياً، في مشروع يبدو واعداً لكنه يهدد التقاليد والبيئة والروابط الاجتماعية.
سرعان ما يتحول الحلم إلى صراع محتدم على السلطة والمستقبل، لتجد نفيسة نفسها في مواجهة خيارات مصيرية، حيث تكتشف قوتها الداخلية وتنطلق في رحلة ملحمية لحماية الحقول، والدفاع عن هويتها ومجتمعها، في قصة تمزج بين الدراما الإنسانية والرمزية السياسية.
إنتاج مشترك عالمي
يأتي الفيلم ثمرة تعاون إنتاجي ضخم وعابر للحدود، جمع بين مجموعة من شركات الإنتاج البارزة:
- Strange Bird GmbH الألمانية
- Jip Film Verleih
- Storming Donkey Productions
- Maneki Films الفرنسية
- Philistine Films الفلسطينية
- Film Clinic وMAD Solutions من مصر
- بدعم من قطر والمملكة العربية السعودية
وتتولى شركة MAD Distribution بالتعاون مع Film Clinic Indie Distribution مهمة توزيع الفيلم في العالم العربي، مما يعزز فرص وصوله إلى جمهور واسع في المنطقة.
فريق العمل: طاقم عربي وعالمي
فيلم “ملكة القطن” من تأليف وإخراج سوزانا ميرغني، التي تواصل عبر هذا العمل تقديم رؤيتها السينمائية المميزة التي تمزج بين السرد المحلي والأبعاد العالمية.
شارك في إنجاز الفيلم طاقم متميز يضم:
- فريدا مرزوق – مديرة التصوير السينمائي، التي سبق أن عملت على فيلم “سماء بلا أرض” الذي افتتح مسابقة “نظرة ما” في مهرجان كان السينمائي 2025.
- أمين بوحافة – مؤلف الموسيقى التصويرية، المعروف بأعماله في أفلام مثل “عائشة لا تستطيع الطيران” و*“كان ياما كان في غزة”*.
- فريق المونتاج: أمبارو ميخياس، سيمون بلاسي، وفرانك مولر.
أما البطولة فضمّت نخبة من الممثلين السودانيين:
مهاد مرتضى، رابحة محمد محمود، طلعت فريد، حرم بشير، محمد موسى، وحسن محي الدين.
وأشرف على الإنتاج كارولين دوب وديدار دومهري، بمشاركة أسماء لامعة في مجال الإنتاج العربي والدولي، من بينهم: آن ماري جاسر، أسامة بواردي، جيسيكا خوري، محمد حفظي، علاء كركوتي، ماهر دياب، جوتا فيت، جوليا آي بيترز، ستيفاني بلاتنر، سوزانا ميرغني، جوردون سبراج، مايكل أرنون، ولورين ديتريش، إضافة إلى المنتجين التنفيذيين ألكسندر فونك ورشا أبو الريش.
رمزية سياسية وبعد إنساني
لا يقتصر “ملكة القطن” على كونه قصة محلية، بل يعكس قضايا أوسع تتعلق بالاستعمار الجديد، والعولمة، والهيمنة الاقتصادية، حيث يصبح القطن رمزاً للأرض والهوية والنضال.
ويطرح الفيلم تساؤلات عميقة حول التنمية المستدامة، وتمكين النساء، وصراع الأجيال، ما يجعله عملاً يحمل بعداً إنسانياً عالمياً قادراً على التأثير في جمهور متنوع.
السينما السودانية في قلب العالمية
يمثل عرض الفيلم في فينيسيا خطوة مفصلية للسينما السودانية، التي تشهد نهضة ملحوظة في السنوات الأخيرة. فبعد النجاح الذي حققته أعمال مثل “ستموت في العشرين”، يأتي “ملكة القطن” ليؤكد أن السودان قادر على إنتاج أعمال ذات مستوى فني عالمي، وبمضامين تحمل رسائل عميقة عن قضايا المنطقة والعالم.
وتعكس الاستجابة الحماسية من جمهور فينيسيا أن الفيلم يمتلك مقومات المنافسة على الجوائز، وقد يفتح الباب أمام مشاركات أخرى في مهرجانات مرموقة وجوائز كبرى مثل الأوسكار.
“ملكة القطن” ليس مجرد فيلم، بل هو صرخة سينمائية تروي قصة شعب يبحث عن مستقبله وسط عواصف التغيير. ومن خلال رؤية سوزانا ميرغني وإبداع طاقم العمل، يتحول القطن من مجرد محصول إلى رمز للهوية والمقاومة والأمل.
وبهذا العرض التاريخي في فينيسيا، تخطو السينما السودانية خطوة جديدة نحو العالمية، راسخة مكانتها في المشهد السينمائي الدولي كصوت حقيقي يعكس قضايا القارة الأفريقية والعالم العربي.