“صوت هند رجب”.. فيلم تونسي يخطف القلوب في مهرجان فينيسيا ويترشح للأوسكار
خطف فيلم “صوت هند رجب” للمخرجة التونسية كوثر بن هنية الأضواء في الدورة الـ82 من مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي، بعدما عاش جمهور القاعة لحظة مؤثرة وحزينة، تُرجمت إلى تصفيق حار استمر أكثر من 20 دقيقة، وهو ما اعتبره النقاد إشارة مبكرة إلى قوة حضور الفيلم في سباق الجوائز العالمية. العرض جرى مساء الأربعاء ضمن المسابقة الرسمية للمهرجان، ليكون من أبرز المحطات السينمائية التي سلطت الضوء على معاناة المدنيين في غزة، من خلال قصة إنسانية تهز المشاعر.
الفيلم مستوحى من القصة الحقيقية للطفلة الفلسطينية هند رجب، التي لم تتجاوز خمسة أعوام، والتي أثار تسجيلها الصوتي العالم في يناير/ كانون الثاني 2024، حين أطلقت نداء استغاثة مؤلم عبر الهاتف، تناشد فيه فرق الإسعاف لإنقاذها، بينما كانت محاصرة وسط جثث أفراد عائلتها داخل سيارة استُهدفت برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي في شمال غزة.
ورغم محاولات فرق “الهلال الأحمر الفلسطيني” المستميتة للوصول إليها، تم العثور على الطفلة جثة هامدة بعد 12 يوماً من إطلاق ندائها، في شباط/ فبراير 2024، لتتحول قصتها إلى رمز عالمي يختزل معاناة الأطفال في مناطق النزاع.
القصة تعود إلى يوم مأساوي في يناير 2024، حين كانت هند تسافر مع عمها وزوجته وأطفالهما الأربعة في محاولة للهرب من القتال شمال غزة، قبل أن يتعرضوا لإطلاق نار كثيف. وبينما سقط الجميع قتلى، تمكنت ليان حمادة، ابنة عم هند البالغة 15 عاماً، من إجراء مكالمة يائسة لخدمات الطوارئ، وثّقتها جمعية “الهلال الأحمر الفلسطيني”، وانتشرت على نطاق واسع عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث سُمعت خلال الاتصال أصوات الطلقات النارية التي أودت بحياة ليان وهي تحاول طلب النجدة.
وذكرت الجمعية أن اثنين من مسعفيها استُشهدا أيضاً أثناء محاولتهما إنقاذ الطفلة، في حادثة هزّت الرأي العام العالمي وكشفت حجم المخاطر التي يواجهها الطواقم الطبية في غزة.
كوثر بن هنية، المعروفة بأعمالها السينمائية الجريئة مثل الرجل الذي باع ظهره، اختارت في هذا العمل المزج بين الوثائقي والدرامي، معتمدة على التسجيل الصوتي الأصلي لنداء هند، لتبني حوله بناءً سينمائياً مؤثراً، يجعل من صوت الطفلة محور القصة وسلاحها الأخير في مواجهة عالم صامت أمام معاناتها. وأكدت بن هنية في تصريحاتها على السجادة الحمراء أن الفيلم هو “صرخة في وجه الصمت الدولي، ورسالة إنسانية قبل أن يكون عملاً فنياً”.
العمل الذي يحظى بدعم صندوق التشجيع على الإنتاج الأدبي والفني التابع لوزارة الشؤون الثقافية التونسية، نال اهتماماً واسعاً من النقاد، وتم اختياره من قبل المركز الوطني للسينما والصورة في تونس لتمثيل السينما التونسية في النسخة الـ98 من جوائز الأوسكار لعام 2026 عن فئة أفضل فيلم عالمي، ما يجعله مرشحاً قوياً لدخول المنافسة على واحدة من أرفع الجوائز السينمائية في العالم.
ومن المقرر أن يُعرض الفيلم في صالات السينما التونسية ابتداءً من 17 سبتمبر/ أيلول الجاري، وسط توقعات بإقبال جماهيري كبير، خاصة بعد موجة التعاطف التي حصدها خلال عرضه العالمي الأول في فينيسيا.
بهذا العمل، تواصل كوثر بن هنية ترسيخ مكانتها كواحدة من أبرز المخرجات العربيات على الساحة العالمية، حيث يثبت “صوت هند رجب” أن السينما قادرة على أن تكون صوتاً لمن فقدوا صوتهم، وأن تروي حكايات إنسانية تتجاوز حدود السياسة والجغرافيا، لتبقى في الذاكرة كوثيقة فنية وتاريخية عن واحدة من أكثر الفترات قسوة في تاريخ غزة الحديث