في تطوّر قانوني حاسم، أسدلت محكمة جنح مستأنف الدقي، اليوم، الستار على واحدة من أكثر القضايا جدلاً في الوسط الفني المصري، بتأييدها حكم براءة الفنان محمد رمضان من اتهامات وجهت إليه بإهانة العلم المصري والإساءة للمرأة المصرية، وذلك على خلفية مشاركته في مهرجان “كوتشيلا” الدولي بالولايات المتحدة.
المحكمة، في حكمها النهائي، لم تكتفِ بتبرئة رمضان، بل رفضت أيضًا الدعوى المدنية المطالبة بتعويض خيالي قُدّر بمليار دولار لصالح صندوق «تحيا مصر»، ما يُعد انتصارًا قضائيًا كبيرًا للفنان المصري، وتأكيدًا على عدم وجاهة الاتهامات الموجهة إليه من الأساس.
دفاع رمضان: القضية بلا أدلة.. وغياب كامل للمستندات الرسمية
في الجلسة التي غاب عنها محمد رمضان وحضرها محاميه أحمد الجندي، قدم الدفاع مذكرة قانونية قوية، شكك فيها باختصاص المحكمة، وطالب بعدم قبول الدعوى لانتفاء الصفة والمصلحة القانونية للمدعي. الأهم، أن المحامي شدد على أن ما وُجّه لموكله من اتهامات لم يكن سوى «أقوال مرسلة وتفسيرات شخصية»، لا تستند إلى أي تقارير رسمية أو بلاغات من مؤسسات الدولة.
كما طلب الدفاع من المحكمة مخاطبة وزارة الخارجية والسفارة المصرية في واشنطن للتأكد من عدم وجود أي شكاوى رسمية ضد رمضان بشأن ما نُسب إليه، في خطوة تؤكد الرغبة في الاحتكام إلى المرجعيات الرسمية وليس إلى التأويلات العامة أو الحملات الإعلامية.
القضاء يحسم الجدل: لا جريمة دون أدلة
حيثيات حكم محكمة الاستئناف جاءت واضحة وصارمة، إذ أكدت على غياب أي دليل قانوني أو مادي يثبت أن ما قام به محمد رمضان يُشكّل جريمة. كذلك، لم تتلقَ المحكمة أي مستندات من جهات رسمية مصرية تُشير إلى أن تصرفاته في مهرجان “كوتشيلا” كانت تمسّ بالعلم أو تمثل إساءة للمرأة.
وأبرز ما ورد في الحيثيات، أن الفن لا يُحاكم بالانطباعات، ولا يُمكن للقضاء أن يُدين شخصًا بناءً على اجتهادات أو تفسيرات فردية. وأوضحت المحكمة أن تحديد ما إذا كان هناك إهانة لرمز وطني أو إساءة مجتمعية لا يكون إلا من خلال المؤسسات المختصة، وليس عبر دعاوى مدنية عشوائية.
خلفية القضية: من مهرجان غنائي إلى دعوى بمليار دولار
القضية التي شغلت الرأي العام انطلقت بعد مشاركة محمد رمضان في مهرجان “كوتشيلا” الشهير بالولايات المتحدة، حيث ظهر بأداء فني أثار حفيظة أحد المواطنين الذي قرر رفع دعوى ضده، متهماً إياه بإهانة العلم المصري والإساءة للمرأة. المدعي طالب في دعواه بتعويض قدره مليار دولار يُخصص لصالح صندوق “تحيا مصر” كنوع من رد الاعتبار، في مطالبة وُصفت قانونيًا بـ”غير الواقعية” و”عديمة الأساس”.
الفن في مواجهة التأويل
حكم اليوم يُعدّ أكثر من مجرد تبرئة؛ إنه رسالة قوية من القضاء بأن الساحة الفنية لا يجب أن تتحول إلى ساحة للتصيد أو إسقاط الأحكام الأخلاقية أو السياسية على الأعمال الفنية دون أسس. ويعيد هذا الحكم النقاش حول الحدود الفاصلة بين حرية التعبير في الفنون وبين ما يُعد خروجًا عن السياق القانوني أو الوطني.
محمد رمضان.. بين الجدل والاستمرار الفني
ورغم تصاعد الانتقادات والقضايا الموجهة له مؤخرًا، يُواصل محمد رمضان حضوره الفني اللافت، متنقلاً بين الأعمال الغنائية والدرامية، ومشاركًا في فعاليات محلية ودولية، دون أن تبدو عليه مؤشرات التأثر بأي من القضايا المثارة حوله.
ومن المتوقع أن يُصدر الفنان بيانًا رسميًا في الساعات المقبلة للتعليق على الحكم، وربما للتعبير عن ارتياحه لقرار المحكمة الذي يُشكل فصلًا قانونيًا جديدًا في مسيرته، ويؤكد أن «العدالة لا تُبنى على العناوين، بل على الوقائع والأدلة».
العدالة تنتصر للفن.. وتُغلق الباب أمام الاتهامات الفضفاضة
في نهاية المطاف، يبدو أن القضاء المصري أرسل برسالة واضحة: لا مكان للاتهامات الفضفاضة أو الحملات العشوائية داخل قاعات العدالة، وأن الحكم لا يُبنى على صخب الرأي العام، بل على أركان قانونية واضحة وأدلة دامغة.
وبهذا الحكم، يُطوى فصلٌ من فصول الجدل الذي لاحق محمد رمضان، لتبقى قضيته واحدة من أبرز الأمثلة على الصدام بين الفن والتأويل، بين الأداء المسرحي والمسؤولية المجتمعية، وبين الانطباعات والأحكام