افتتاح استثنائي لمهرجان كان 2025: جولييت بينوش توقظ الضمير العالمي وروبرت دي نيرو يُكرَّم وسط تصفيق حار

في أمسية استثنائية خطّتها السينما بالحبر الإنساني والرسائل السياسية، افتُتحت مساء الثلاثاء 13 مايو/أيار الدورة الثامنة والسبعون من مهرجان كان السينمائي الدولي، على إيقاع خطاب مؤثر لرئيسة لجنة التحكيم، الممثلة الفرنسية جولييت بينوش، وتكريم عاطفي لأسطورة الشاشة روبرت دي نيرو، في لحظة امتزج فيها الفن بالذاكرة الجماعية والنضال من أجل القيم.

جولييت بينوش: خطاب العار والمجد

بكلمات مشحونة بالعاطفة والمسؤولية، افتتحت جولييت بينوش فعاليات المهرجان، موجهة تحية خاصة إلى المصوّرة الصحفية الفلسطينية الراحلة فاطمة حسونة، التي قُتلت في غزة إثر قصف إسرائيلي، وقالت بصوت خاشع: “كان ينبغي أن تكون فاطمة معنا الليلة… الفن يبقى، فهو الشهادة القوية على حياتنا وأحلامنا”.

لكن خطاب بينوش لم يتوقف عند المأساة الفلسطينية، بل تجاوزها إلى مسائل تتصل بجوهر دور الفن في عالم منكوب: “كلما ازدادت معاناة الناس، ازدادت أهمية مشاركتهم”، قالت النجمة الفرنسية التي اعتلت المسرح كفنانة، وإنسانة، وناطقة باسم قضايا الكوكب. تحدثت عن الحرب، الاحتباس الحراري، كراهية النساء، والأصوات المقموعة في مختلف أنحاء العالم، مؤمنةً بأن الفنانين “يملكون القدرة على التعبير عن الآخرين”.

في لحظة امتزجت فيها السياسة بالشهادة الفنية، أشارت بينوش أيضًا إلى رهائن السابع من أكتوبر، والسجناء، والغرقى الذين يقاسون الرعب ويُتركون وحيدين، مؤكدة أن “المهرجان لا يمكن أن يغض الطرف”.

رسالة مفتوحة ضد الإبادة: سينمائيون لا يصمتون

وعلى هامش الافتتاح، نُشرت رسالة مفتوحة وقّعها المئات من نجوم السينما العالمية، أدانوا فيها ما وصفوه بـ”الصمت الدولي حيال الإبادة الجماعية في غزة”. اعتبرت وزيرة الثقافة الفرنسية رشيدة داتي أن الفنانين “يؤدون دورهم”، مشددة على أن “الثقافة والسياسة يسيران جنباً إلى جنب”.

هذا التفاعل السياسي مع الأحداث الجارية أعاد إلى الواجهة مكانة المهرجان كمنصة ضمير عالمي، لا تكتفي باستعراض الأفلام، بل تُقارع الظلم وتُناصر الحرية والتعبير.

روبرت دي نيرو… لحظة ذهبية وسط تصفيق لا ينتهي

وفي أبرز لحظات الأمسية، منح النجم ليوناردو دي كابريو جائزة السعفة الذهبية الفخرية لروبرت دي نيرو، الذي بدت مشاعره جياشة وهو يتسلّم الجائزة وسط تصفيق حار استمر دقائق. قال دي كابريو وهو يقدّمه: “يشرفني أن أكون هنا لتكريم شخص كان نموذجاً ومثلاً أعلى لجيل كامل من الممثلين”.

أما دي نيرو، فكان صادقًا كعادته، قال: “في عالم بات يفرقنا، يجمعنا مهرجان كان”، مسترجعًا علاقته الطويلة بالمهرجان الذي ترأس لجنة تحكيمه عام 2011. واغتنم المناسبة لتوجيه نقد لاذع للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، قائلاً: “لا يمكن تحديد سعر للإبداع، لكن يبدو أنه يمكنك فرض تعريفة جمركية عليه!”، في إشارة إلى نية ترامب فرض رسوم تصل إلى 100% على الأفلام الأجنبية.

وختم دي نيرو كلمته بالحديث عن “النضال من أجل الديمقراطية”، في عبارة دوّت في القاعة مثل قنبلة نبيلة، واختُتمت بعاصفة من التصفيق وقوفًا.

لوحة افتتاحية: بين التقدير الفني وتكريم الراحلين

المغنية الفرنسية ميلين فارمر قدّمت أغنية جديدة تكريمًا للمخرج الراحل ديفيد لينش، الذي فارق الحياة في يناير الماضي. كما افتُتحت الأمسية بإهداء مؤثر للممثلة البلجيكية إيميلي ديكوين، التي رحلت في مارس الماضي عن عمر يناهز 43 عامًا إثر إصابتها بنوع نادر من السرطان.

مقدّم الحفل، لوران لافيت، خصّص كلمته للإشادة بالأصوات التي تلتزم القضايا الاجتماعية والإنسانية، مُكرِّسًا افتتاح هذا العام كأحد أكثر الافتتاحات ذات البعد الأخلاقي والإنساني في تاريخ المهرجان.

22 فيلمًا في سباق السعفة الذهبية… ولجنة تحكيم متنوعة الهوية

يتنافس هذا العام 22 فيلمًا على جائزة السعفة الذهبية، في دورة تتسم بتنوع لافت على مستوى الجنسيات والخلفيات الإبداعية. وتضم لجنة التحكيم تسعة أعضاء، من أبرزهم الممثلة الأمريكية هالي بيري، الكاتبة الفرنسية المغربية ليلى سليماني، المخرج الكوري هونج سانج سو، المخرجة الألمانية ألبا رورواشر، الممثل الأمريكي جيريمي سترونج، المخرج الكونغولي ديودون حمادي، المخرجة الهندية بايال كاباديا، والمخرج المكسيكي كارلوس ريجاداس.

ختامًا: السينما كصوت العالم

افتتاح مهرجان كان 2025 لم يكن مجرد حدث فني؛ بل أشبه بصرخة فنية سياسية حضارية أطلقتها أسماء عالمية من قلب الريفييرا الفرنسية. في وقت يشهد العالم تشظيًا مريرًا، جاءت كلمات بينوش ودي نيرو كمرآة كاشفة، وأثبتت السينما من جديد أنها لا تُختزل في الترفيه، بل هي منبر للعدالة، صوت للذين لا صوت لهم، ومرآة تعكس وجه العالم كما هو… بكل وجعه وأمله.

Leave A Reply

Your email address will not be published.