“العميل السري” يظفر بجائزة “فيبريسي”: البرازيل تكتب حضورها بجرأة في مهرجان كان السينمائي

في لحظة اعتراف نقدي مستحقة، تُوّج الفيلم البرازيلي “العميل السري – O Agente Secreto” للمخرج كليبر ميندونسا فيليو بجائزة “فيبريسي” في فئة “الاختيار الرسمي – المسابقة”، وهي الجائزة التي يمنحها الاتحاد الدولي لنقاد السينما ضمن فعاليات الدورة الـ78 من مهرجان كان السينمائي، والتي اختُتمت مساء السبت 24 مايو 2025.

ويأتي هذا التتويج ليعزز حضور البرازيل الاستثنائي في نسخة هذا العام، حيث حلّت كضيف شرف للمرة الأولى في تاريخ المهرجان، لتُقدم للعالم خلاصة تجربتها السينمائية المتنوعة، المتمردة، والمرتبطة بقضاياها الاجتماعية والسياسية الحارقة.

“العميل السري”: دراما سياسية تتحدى النسيان

يغوص فيلم “العميل السري”، الذي يجمع بين التوثيق السياسي والسرد الدرامي، في قلب الحقبة العسكرية التي حكمت البرازيل عام 1977، من خلال قصة ضابط يواجه تمزقات داخلية بين ولائه للنظام القمعي وشكوكه المتزايدة حول شرعيته الأخلاقية.

بطولة الفيلم كانت من نصيب النجم البرازيلي واجْنر مورا، الذي أبدع في تجسيد شخصية مشحونة بالتوتر والتمزق النفسي.

أما المخرج كليبر ميندونسا فيليو، المعروف بأفلامه ذات البعد الاجتماعي والسياسي مثل “Aquarius” و*“Bacurau”*، فقد واصل بأسلوبه السينمائي الفريد إعادة قراءة تاريخ بلاده، ليس عبر النمطية أو الوثائقية، بل من خلال عدسة فنية جريئة تتجاوز الإدانة إلى مساءلة الذاكرة الجماعية للأمة.

فيبريسي: تقدير عالمي لسينما تُقاوم

تُعد جائزة “فيبريسي” التي يمنحها الاتحاد الدولي لنقاد السينما (FIPRESCI) واحدة من أرفع الجوائز النقدية في المهرجانات الكبرى، إذ لا تُمنح بناءً على الترويج أو الضجيج الإعلامي، بل وفق قراءة معمقة للقيمة الفنية والفكرية للفيلم.

واختيار “العميل السري” لهذه الجائزة هو بمثابة اعتراف عالمي بقدرة السينما البرازيلية على إعادة سرد ماضيها المظلم بلغة شعرية قاسية، وبأدوات سينمائية تُلامس الحداثة دون أن تتخلى عن بُعدها السياسي.

البرازيل ضيف شرف مهرجان كان 2025: أكثر من مجرّد مشاركة

لم تكن مشاركة البرازيل في الدورة الـ78 من مهرجان كان السينمائي مجرد “تمثيل رمزي”، بل جاءت كثمرة لنضج سينمائي طويل، وتكريس لموقعها كقوة ثقافية صاعدة في أمريكا اللاتينية.

وقد أتاح المهرجان، من خلال تخصيص عدة عروض ولقاءات مهنية وجلسات نقاش، الفرصة لصنّاع السينما البرازيليين للتعريف بأعمالهم، والتفاعل مع نظرائهم في العالم، وفتح آفاق جديدة للتعاون المشترك.

“العميل السري” لم يكن فقط وجهًا فنيًا للمشاركة البرازيلية، بل تجسيدًا حقيقيًا لخطاب سينمائي يرفض النسيان، ويطالب، عبر الكاميرا، بما عجزت السياسة عن تحقيقه: الحقيقة والمحاسبة.

السينما كأداة مقاومة: من أمريكا اللاتينية إلى شاشات العالم

في سياق عالمي متقلب، حيث تتصاعد النزعات القمعية في بعض المجتمعات، تصبح السينما منبرًا مضادًا للنسيان.

وفيلم “العميل السري” يُعيد التذكير بأن ما يُعرض على الشاشة، حين يُصاغ بصدق فني، يمكن أن يكون أقوى من رصاص الطغاة، وأبقى من شعارات الأنظمة.

كما أن تتويج الفيلم في “كان” لا يُعد فقط فوزًا لسينما البرازيل، بل لكل السينمائيين الذين يكتبون بالضوء ما لا يجرؤ آخرون على قوله بالكلمات.

في الختام…

بينما أُسدل الستار على الدورة الـ78 من مهرجان كان السينمائي، أثبتت هذه الدورة أن السينما لا تزال قادرة على حمل قضايا الشعوب، ومواجهة التاريخ بالحقيقة الفنية.

وها هو “العميل السري”، عبر عدسة كليبر ميندونسا، ينضم إلى قائمة الأفلام التي لا تكتفي بسرد الأحداث، بل تُعيد كتابة التاريخ، وتدعونا، نحن المشاهدين، لمساءلة ذاكرتنا الجماعية… ومواقفنا.

Leave A Reply

Your email address will not be published.