بعنوان ’فوضى’.. مريم الزعيمي تعيد تعريف المسرح المغربي الحديث

 

مسرحية “فوضى” ليست مجرد عرض مسرحي عادي، بل هي تجربة فنية وشعورية تتجاوز حدود الخشبة لتنفذ إلى أعماق المتلقي. في هذا العمل، تنجح مريم الزعيمي في خلق توازن دقيق بين الفوضى كحالة وجودية والفوضى كأداة درامية، مما يجعلها تجربة استثنائية في المسرح المغربي الحديث.

1. الفوضى كموضوع وكوسيلة

فوضى داخلية وخارجية

• المسرحية تعكس حالة اضطراب إنساني متعدد الأبعاد: فوضى العلاقات، المشاعر، والظروف الاجتماعية.
• الشخصيات تجسد تجارب إنسانية تتشابك بين صراعات داخلية (الذنب، التردد، الخيانة) وخارجية (القمع الاجتماعي، الطموحات، الصراع الطبقي).
• هذه الثنائية تمنح النص عمقًا فلسفيًا يُحاكي صراع الإنسان مع نفسه ومع محيطه.

الفوضى كأداة درامية

• الزعيمي تُوظف الفوضى في السرد الدرامي بشكل ذكي، حيث تنقل المتلقي من مشهد إلى آخر دون ترتيب خطي واضح.
• هذا النهج يعكس عبثية الحياة ويمنح العرض طابعًا مفتوحًا على التأويل، مما يجذب المشاهد ليصبح مشاركًا في بناء المعنى.

2. السينوغرافيا: الفوضى البصرية كامتداد نفسي

• الفضاء المسرحي كان محوريًا في تعميق الإحساس بالفوضى:
• السماعات المعلقة بخيوط ترمز إلى الأصوات الداخلية أو الضغوط الاجتماعية التي تتحكم في الشخصيات وكأنها دمى معلقة في يد قوة أكبر.
• التوزيع المكاني للشخصيات كان ديناميكيًا؛ كل شخصية في عالمها الخاص، لكنها تتداخل مع الآخرين في لحظات مصيرية.
• الإضاءة: التغيرات المفاجئة في الإضاءة عكست التحولات النفسية، من النور إلى الظلمة، مما عزز شعور المشاهد بالفوضى والقلق.

3. الأداء: شخصيات تحت الضغط

تجسيد الفوضى في الأداء

• الشخصيات: كل شخصية في المسرحية تبدو محاصرة بالفوضى التي تعيشها، سواء كانت فوضى داخلية (كما في حالة ذكرى التي تمثل الصراع النفسي المرتبط بالخيبة) أو خارجية (كما في حالة أشرف الذي يرمز إلى الطموح الطبقي).
• الحركة والصوت: الأداء الجسدي والصوتي للممثلين كان متوترًا ومشحونًا، مما عزز الانطباع العام بالفوضى.

التقمص والصدق الفني

• فريق التمثيل قدم أداءً استثنائيًا، خاصة أمين ناسور الذي نجح في تقديم شخصية عميقة ومعقدة، ومريم الزعيمي التي أثبتت براعتها كمخرجة .
• الأداء كان صادقًا ومتناسقًا مع التوتر النفسي الذي حملته الشخصيات، مما جعلها تتفاعل بعمق مع الجمهور.

4. النص: فلسفة الفوضى وصراع الهوية

• النص يقدم شخصيات ذات أبعاد متعددة، مما يجعل كل واحدة منها تمثل رمزًا لصراع معين:
• ذكرى وأمين: يرمزان إلى هشاشة العلاقات الزوجية في ظل الضغوط الاجتماعية.
• سارة وأشرف: يمثلان الطموحات الفردية والتضحية بالقيم في سبيل الصعود الطبقي.
• الحوارات كانت مليئة بالرمزية دون أن تفقد واقعيتها، حيث تناولت موضوعات مثل الخيانة، الخوف، والطمع، مع تركيز على الأسئلة الوجودية التي تعكس عبثية الواقع.

5. الإيقاع والتناغم

• رغم أن النص يوحي بفوضى شاملة، إلا أن الإيقاع كان مضبوطًا بعناية ليحقق التناغم بين العناصر المختلفة (النص، الإضاءة، الموسيقى).
• التنقل بين المشاهد لم يكن عبثيًا بل مدروسًا، مما جعل الفوضى تبدو منظمة، وتخدم الغرض الفني والدرامي.

6. النهاية: مواجهة الأسئلة بلا أجوبة

• النهاية جاءت بنبرة مباشرة من خلال صوت المخرجة، وهو خيار أثار جدلًا:
• من جهة، هذا التدخل منح النص نوعًا من التأطير الفكري.
• من جهة أخرى، كان يمكن ترك النهاية مفتوحة على التساؤلات، مما يمنح الجمهور حرية أكبر في تأويل العمل.
• مع ذلك، النهاية تعزز فكرة أن الفوضى ليست مجرد حالة عبثية، بل تجربة يجب فهمها للتعامل معها.

7. القضايا المطروحة: نقد اجتماعي عميق

• المسرحية تناقش قضايا تتقاطع فيها النفس والاجتماع:
• الفروقات الطبقية وتأثيرها على العلاقات الإنسانية.
• الصراع بين القيم والطموحات: كيف يمكن للإنسان أن يوازن بين تحقيق ذاته والحفاظ على إنسانيته.
• الضغط الاجتماعي والنفسي: كيف تسهم البيئة المحيطة في تشكيل الأفراد وفي صنع فوضاهم الخاصة.

خاتمة نقدية

مسرحية “فوضى” ليست مجرد عرض مسرحي بل تجربة نفسية واجتماعية تعكس التوتر الإنساني في مواجهة واقع معقد. مريم الزعيمي نجحت في تقديم رؤية إخراجية تتسم بالجرأة والابتكار، مما يجعلها عملًا مؤثرًا على المستويين الفني والفكري.

رسالة المسرحية: الفوضى ليست عبثًا، بل انعكاس لحقيقة الإنسان وصراعه المستمر مع ذاته ومجتمعه. ما يجعلها مؤثرة هو قدرتها على جعل المتلقي يعيد النظر في “فوضاه” الخاصة، ويدرك أن الحل لا يكمن في الهروب منها بل في مواجهتها والتصالح معها.

Leave A Reply

Your email address will not be published.