مهرجان كان 2025: آسيا تتألق في “أسبوع النقاد” و”لا سينيف” يفتح أبواب المجد لصناع السينما الشباب
بين شبح تايلاندي يبعث الحنين في قلب المأساة، وطفل زنجبيل يفتح أبواب الخيال في اليابان، كانت جوائز “أسبوع النقاد” و”لا سينيف” في مهرجان كان السينمائي لعام 2025 تجسيدًا حيًّا لتنوع الرؤى السينمائية وجرأة الأجيال الجديدة في سرد حكاياتهم. المهرجان، الذي يحتفي هذا العام بدورته الثامنة والسبعين، أعطى منصة قوية لأصوات آسيوية وأوروبية صاعدة، أثبتت أن مستقبل السينما لا يُصاغ فقط في أروقة الصناعة الكبرى، بل في فصول السينما المستقلة ومعاهد السينما وأحلام الطلبة.
“شبح مفيد”: الكوميديا السوداء تضع تايلاند على الخريطة
في انتصار لافت، فاز الفيلم التايلاندي “شبح مفيد” (A Useful Ghost) بالجائزة الكبرى ضمن قسم “أسبوع النقاد”، ليكون أول تتويج تايلاندي في هذا القسم منذ أكثر من عشر سنوات. الفيلم، من توقيع المخرج الشاب راتشابوم بونبونتشاتشوك، فاجأ جمهور كان بقصته الغريبة والمضحكة حدّ الألم، حيث تعود الزوجة المتوفاة في هيئة مكنسة كهربائية لتنظف – حرفيًا – أرواح المصنع العائلي من أشباح الفساد والموت.
الرؤية العبثية للفيلم، التي تمزج الكوميديا السوداء مع نقد بيئي واجتماعي، أسرت لجنة التحكيم برئاسة المخرج الإسباني رودريجو سوروجوين، والتي وصفت العمل بأنه “استثنائي بصريًا، ومؤلم بطريقة ساخرة، وعاطفي دون أن يكون مبتذلاً”.
الفيلم من بطولة النجمة التايلاندية دافيكا هورن والنجم ويساروت هيمارات، وقد استفاد من دعم إنتاجي مشترك بين تايلاند وسنغافورة وفرنسا وألمانيا، بتمويل من مؤسسات بارزة مثل أوبن دورز وهوبيرت بالس. وتتولى شركة Best Friend Forever توزيعه على الصعيد العالمي، وسط اهتمام واسع من المبرمجين الدوليين.
جوائز “أسبوع النقاد”: طيف متنوع من الإبداع
إلى جانب “شبح مفيد”، توزعت جوائز “أسبوع النقاد” على عدد من الأعمال اللافتة، حيث فاز فيلم “إيماجو” (Imago) للمخرج ديني عمر بيتساييف بجائزة لجنة التحكيم French Touch، بينما خطف الممثل الكندي تيودور بيليرين الأنظار وفاز بجائزة النجم الصاعد عن أدائه في فيلم “نينو” (Nino)، في تجسيد داخلي دقيق لشخصية عاطفية ومعقدة.
أما جائزة مؤسسة جان فقد ذهبت إلى الفيلم التايواني “الفتاة العسراء” (Left-Handed Girl) للمخرجة شيه-تشنج تسو، التي استعادت في عملها أجواء العزلة والانفصال العائلي بعدسة شاعرية حساسة.
وفي فئة أفضل سيناريو، فاز فيلم “مدينة بلا نوم” (Sleepless City) من إخراج جييرمو جالو بجائزة جمعية المؤلفين والملحنين الدراميين الفرنسية (SACD)، بينما حصل فيلم “لْمينة” (L’mina) للمخرجة رندا مروفي على جائزة أفضل فيلم قصير، وفاز فيلم “إيروجينيسيس” (Erogenesis) للمخرجة ألكسندرا بوبسكو بجائزة Canal+.
“لا سينيف”: رؤية طلابية تشتعل من الشرق الأقصى
في قسم La Cinef المخصص لأفلام طلبة السينما من مختلف أنحاء العالم، برز الحضور الآسيوي بقوة مرة أخرى. فقد فازت الكورية هيو كايوونج بالجائزة الأولى عن فيلمها “الصيف الأول” (First Summer)، وهو عمل يتميز بدقة لغته البصرية وسرده الهادئ والمؤلم لتجربة بلوغ الفتاة في مجتمع محافظ.
في المركز الثاني، حلّ الفيلم الصيني “12 لحظة قبل رفع العلم” للمخرج تشو تشيجينج، الذي اختار زاوية سردية جديدة لتصوير العلاقات داخل معسكر صيفي صيني، أما المركز الثالث فقد تقاسمه فيلمان: الياباني “الولد الزنجبيل” للمخرجة ميكي تاناكا، الذي يعالج قضايا الهوية والجسد بعين طفولية، والإستوني “شتاء في مارس” للمخرجة ناتاليا ميرزويان، الذي قدّم معالجة شاعرية للحزن في بيئة ما بعد الحرب.
وقد خصّص المهرجان جوائز مالية بلغت 15,000 يورو للفائز الأول، و11,000 يورو للثاني، و7,500 يورو للفائزَين بالمركز الثالث، في دعم مباشر لمستقبل صناعة السينما المستقلة.
ومن المقرر إعادة عرض جميع الأفلام الفائزة في قاعة سينما لو بانثيون (Cinéma du Panthéon) بالعاصمة الفرنسية باريس، يوم الجمعة 6 يونيو 2025، في احتفالية تكرّس روح المهرجان كمنصة لاكتشاف المواهب قبل أن تتوهج على الشاشات الكبرى.
خاتمة: مهرجان كان يصنع المستقبل الآن
بين شبح تايلاندي ينفخ الروح في المكنسة الكهربائية، وصيف كوري أول يتفتح على شاشة غربية، أثبت مهرجان كان 2025 أنه لا يزال وفياً لدوره الريادي في صقل المواهب ومنحها الشرعية الفنية. أسبوع النقاد ولا سينيف ليسا مجرد منصتين جانبيتين، بل نوافذ تُطل منها السينما على الغد… وأكثر من ذلك، هما قلب المهرجان النابض بالابتكار، حين يخفت الصخب وتبدأ الحكايات الحقيقية.