مهرجان كان 2025: منح جائزة السينما الإيجابية للأخوين داردن للأخوين داردن

في اليوم الأخير من عروض المسابقة الرسمية ضمن مهرجان كان السينمائي في دورته الثامنة والسبعين، جذب فيلم “الأمهات الشابات” (Jeunes Mères) للأخوين البلجيكيين جان بيار ولوك داردين الأنظار، وسط مشاعر مختلطة من الحنين والحزن والطموح السينمائي، في محاولةٍ جديدة للمخرجَين المخضرَمين لحصد السعفة الذهبية للمرة الثالثة، وهو ما لم يحققه أي مخرج حتى اليوم.

هذا العرض، الذي خُصص له مساء الجمعة، حمل بعداً شخصياً وإنسانياً خاصاً للأخوين داردين، اللذين قدّما الفيلم تكريماً للممثلة البلجيكية الراحلة إميلي دوكين، التي رحلت في مارس الماضي عن عمر ناهز 43 عاماً بعد صراع مع مرض نادر.

إميلي دوكين.. الحاضرة الغائبة

إميلي دوكين، التي برزت لأول مرة أمام الجمهور العالمي في سن الثامنة عشرة، من خلال دورها في فيلم “روزيتا” عام 1999، جسدت روح السينما الاجتماعية التي ميّزت أعمال الأخوين البلجيكيين. آنذاك، فازت بجائزة أفضل ممثلة في كان، في حين فاز الفيلم بـالسعفة الذهبية الأولى في مسيرة المخرجين.

اليوم، يعود “روزيتا” بشكلٍ رمزي إلى السجادة الحمراء، لا من خلال إعادة عرضه، بل من خلال فيلم جديد يحمل ذات الروح الاجتماعية – فيلم يتناول قصص نساء شابات في دار ولادة، يواجهن الفقر، العزلة، والعبء المجتمعي، في ما يبدو وكأنه امتداد درامي لفيلم “روزيتا”، ببطولة جماعية ووجه نسوي حداثي.

قال لوك داردين قبيل توجهه إلى كان:

“إميلي ستكون حاضرة بطريقة أو بأخرى. هذا الاختيار مهداة لها، وطيفها معنا في هذا الفيلم”.

فيما أضاف شقيقه جان بيار:

“يحكي الفيلم قصة تحرر كل امرأة من عبء ما، من قدر مفروض عليها، كما كل الأقدار”.

سعفة ثالثة؟ الأخوان داردين على أعتاب التاريخ

بجعبتهما اثنتان من أرفع الجوائز في تاريخ مهرجان كان: الأولى عن “روزيتا” (1999) والثانية عن “الطفل” (L’Enfant) عام 2005. واليوم، يسعيان لتسجيل إنجاز قياسي تاريخي بالحصول على السعفة الذهبية الثالثة، وهو رقم لم يصل إليه أي مخرج حتى الآن.

الفيلم، الذي عرض في اليوم الأخير للمسابقة، تلقى إشادة نقدية بفضل أسلوبه الواقعي المؤلم وتصويره الحي للمعاناة الاجتماعية، كما تميز بأداء جماعي مؤثر من مجموعة من الشابات غير المحترفات، في استمرار لنهج السينما الواقعية للأخوين داردين.

منافسة محتدمة في دورة سياسية بامتياز

بينما يخوض الأخوان داردين المنافسة، يبرز إلى جانبهم فيلم “مجرد حادث” (It Was Just an Accident) للمخرج الإيراني جعفر بناهي، الذي انتقد فيه مجدداً السلطة في طهران عبر قصة رمزية عن العدالة والانتقام. الفيلم صُوّر سراً وشارك فيه ممثلات دون حجاب، وهو ما أثار جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والفنية.

كما يبرز في المنافسة فيلم “Sentimental Value” (القيمة العاطفية) للنرويجي يواكيم ترير، وهو دراما عائلية شاعرية، إلى جانب فيلم “Two Prosecutors” (مدعيان عامان) للأوكراني سيرغي لوزنيتسا الذي يغوص في التاريخ الدموي لحقبة التطهير الستاليني.

وتختم هذه الأفلام قائمة تضم 22 فيلماً في المسابقة الرسمية، اختيرت بعناية من قبل لجنة تحكيم تترأسها الممثلة الفرنسية جولييت بينوش، وتضم في عضويتها النجمتين الأمريكيتين هالي بيري وجيريمي سترونغ، وغيرهم من الأسماء العالمية.

“ذي ماسترمايند” و”ذي هيستوري أوف ساوند”: اللحظات الأخيرة للمسابقة

في ذات اليوم، عُرض أيضاً فيلم “The Mastermind” للمخرجة الأمريكية كيلي ريتشاردت، من بطولة النجم البريطاني جوش أوكونور، الذي يقدّم شخصية سارق أعمال فنية في أمريكا السبعينات.

أوكونور، المعروف بأدائه دور الأمير تشارلز في مسلسل “ذا كراون”، يظهر كذلك في فيلم “The History of Sound” للمخرج الجنوب إفريقي أوليفر هيرمانوس، وهو عمل رومانسي موسيقي مثلي، ويعد من أبرز الأفلام المرشحة لنيل جائزة “كوير بالم” التي تحتفل هذا العام بعيدها الخامس عشر.

جوائز أخرى في الانتظار

الجمعة يشهد الإعلان عن الفائزين في أقسام عدة:

  • “نظرة ما” التي تشمل تجارب إخراجية أولى بارزة منها فيلم “إليانور ذا غرايت” لسكارليت جوهانسون و**“ذا كرونولوجي أوف ووتر”** لكريستين ستيوارت.
  • “كوير بالم” لأفضل فيلم يتناول قضايا مجتمع الميم.
  • “غولدن آي” لأفضل فيلم وثائقي.
  • “دوغ بالم” لأفضل أداء لكلب سينمائي، في لفتة مرحة دأب عليها المهرجان.

ختام بطعم التأمل

وبينما يستعد مهرجان كان لاختتام فعالياته، يبقى العرض الأخير للأخوين داردين مشبعًا بالحنين والتأمل والتحدي. ففي الوقت الذي يتحدث فيه فيلمهما عن الأمومة والشباب والتحرر، يطوف في خلفية كل مشهد طيف إميلي دوكين، الممثلة التي كانت رمز بداياتهما وانطفأت باكرًا، تاركة خلفها أثرًا لا يُمحى في الذاكرة السينمائية.

إن كان الحظ حليفهما، فستُضاف السعفة الذهبية الثالثة إلى مسيرتهما. وإن لم يحدث، فوجودهما في قلب المسابقة، بهذه الحمولة العاطفية والفنية، هو انتصار بحد ذاته.

Leave A Reply

Your email address will not be published.