“Alpha” يعيد جوليا دوكورنو إلى ساحة الكبار في كان: تصفيق مدوٍ ودموع امتنان لفيلم يكسر التوقعات
في مشهد نادر حتى بمعايير مهرجان كان، وقف الجمهور مساء الإثنين لأكثر من إحدى عشرة دقيقة ونصف يصفق بحرارة لفيلم Alpha، آخر أعمال المخرجة الفرنسية جوليا دوكورنو، في واحدة من أكثر لحظات نسخة هذا العام حرارة وتوهجًا.
دوكورنو، التي باتت تُصنّف بين أكثر الأسماء تأثيرًا في السينما الفرنسية المعاصرة، بدت متأثرة إلى حد الدموع، ترسل إشارات على شكل قلب للجمهور من على مقعدها في القاعة الأسطورية Lumière، وكأنها تعيد تجديد عهدها مع جمهور مهرجان منحها المجد قبل أربع سنوات.
عودة من الباب الملكي: بعد السعفة الذهبية، ماذا بعد؟
حين نالت جوليا دوكورنو السعفة الذهبية في 2021 عن فيلمها الجريء والمثير للجدل Titane، دخلت التاريخ كأول مخرجة فرنسية تنال الجائزة، وثاني امرأة في تاريخ المهرجان بعد جين كامبيون. واليوم، تعود دوكورنو بفيلمها الثالث Alpha لتؤكد أن موهبتها لم تكن صدفة، وأنها عازمة على ترسيخ مكانتها كواحدة من أكثر صناع السينما تجريبًا وجرأة في هذا الجيل.
“Alpha”: بين الغرائبية والهوية الأنثوية
يقدّم Alpha قصة فتاة مراهقة – تحمل الاسم نفسه – تعيش مع والدتها في ضواحي مدينة فرنسية رمادية، محاطة بالرتابة والقلق. ذات مساء، تعود إلى المنزل وعلى ذراعها رسمة غريبة، تبدأ معها سلسلة من التحولات النفسية والجسدية، ليس فقط للبطلة، بل لعلاقتها بالعالم والأمومة والمجتمع.
الفيلم، كسابقيه Raw وTitane، لا يخضع لتصنيفات واضحة. هو دراما نفسية، وفيلم تحول جسدي، وتأمل وجودي في آنٍ معًا. وتمضي دوكورنو في Alpha خطوة أبعد نحو تفكيك الهوية الأنثوية من الداخل، مستخدمة رمزيات بصرية مكثفة، ومؤثرات صوتية تنبض بالتوتر، مع كاميرا مشحونة تنقل الذعر والرهبة وكأنها تخترق الجلد.
طاقم التمثيل: مزيج بين الوجوه المألوفة والطاقة الجديدة
أداء إيما ماكي في دور Alpha قوبل بإشادة لافتة من النقاد، وُصف بأنه “كهربائي”، ينقل التوتر الداخلي بصمت وميكانيكية مذهلة. أما النجمة جولشفته فرهاني، فقد قدّمت واحدة من أكثر أدوارها احتواءً وانكسارًا في دور الأم التي تحاول عبثًا استيعاب تحولات ابنتها. وشارك في الفيلم أيضًا النجم طارق رحيم، الذي أضفى بُعدًا تعبيريًا على شخصية مركبة لا تخلو من الغموض.
دوكورنو × نيون: تحالف فني متين
مرة أخرى، اختارت جوليا دوكورنو التعاون مع شركة نيون لتوزيع Alpha، في استمرار للتحالف الذي بدأ مع Titane. نيون، المعروفة بدعمها للأعمال الطليعية والمخرجات الجريئات، تراهن على الفيلم كمشروع عالمي، مرشح للمنافسة بقوة على الجوائز، ليس فقط في كان، بل أيضًا على منصات الأوسكار والبافتا.
تصفيق 11.5 دقيقة: هل تكفي لكتابة فصل جديد؟
يقرأ المتابعون استقبال Alpha على أنه مؤشر قوي على وجوده في قائمة الجوائز النهائية، وربما منافسته على السعفة الذهبية، ما يجعل دوكورنو مرشحة لأن تدخل التاريخ مجددًا، وهذه المرة كأول امرأة تفوز بالسعفة مرتين.
لكن، بعيدًا عن التكهنات، ما أنجزته دوكورنو في هذا العمل هو تقديم فيلم ينبض بألم الأنثى، وهواجس الجسد، وقسوة التحول، وكل ذلك في إطار فني بصري لا يشبه أحدًا. Alpha ليس فقط تجربة سينمائية، بل هو أيضًا مرآة متكسرة تعكس عالماً هشًّا، تُعيد فيه المرأة تشكيل هويتها على أنقاض ما فُرض عليها.